عندما لم يكن هناك حرب
كلما انقطع ماء الشرب في المخيم يتعين على أم “عبد الواسع” أن تخوض معركة مضنية لتوفر القليل منه للأسرة، ويركض الزوج في الصباحات هنا وهناك محاولا تعويض جزءا من راتبه المنقطع طوال الخمس سنوات، وفي خضم كل هذا يعيش أربعة أولاد حياة قاسية، حياة وجدوا فيها أنفسهم مجبرين على أن يكبروا خلاف أطفال العالم، وليست أجسامهم وحدها ما يتضاءل نتيجة شظف العيش، أحلامهم أيضا توشك أن تنتهي إلى التلاشي.
كان رب الأسرة مهندسا يحسن تأمين الحياة المناسبة للأم والأولاد ولنفسه كذلك، لم يكن أبدا يهاب قدوم العام الدراسي ومتطلباته المرافقة، ولا يشعر بخيبة كلما طُلب منه الخروج في نزهة ختام كل أسبوع، لقد كان هناك الكثير من الأشياء الجميلة والمثيرة للإعجاب إلا أنه لم يكن هناك حرب، الحرب نشبت وقصف أطراف النزاع بنية الكهرباء في الحديدة، وبانقطاع مصدر دخل ذلك الأب تقطعت بالأسرة السُبل.
تروي أم عبد الواسع بداية التشرد:
” تردي حالتنا المادية، معارك ضارية تتهدد حياتنا، وغيرها كثير، في الحقيقة العيش لم يكن متاحا حرفياً، فكان أن تركنا المنازل ونزحنا باتجاه تعز، ومثلما أن النزوح خيار مر وصعب، فدربه ليس أخضر دائما، سافرنا يومين كاملين، واعترض طريقنا قطاع طرق مسلحين ليضيفوا الرعب إلى التعب الذي أنهك الجميع”.
حظيت الأسرة بفصل دارسي للعيش، نوافذ الفصل مخلوعة ولم يستطع الأب توفير ما يغطي أرضيته الباردة، في وقت تفتقر الأسرة للبطانيات، وما دام الجميع هكذا عرضة لموجات البرد تقول أم عبدالواسع أنها لا تستطيع الفصل مما إذا أصيبوا بفايروس كورونا أم لا” أعراض الإصابة بالفايروس تتشابه مع أعراض نزلات البرد العادية، لم نكن نحفل كثيرا بالتأكد من ذلك، لأنه لم يكن بوسعنا تطبيق العزل داخل غرفة فيما لو أصيب أحدنا، وفي كل الأحول كنا نحاول قدر الإمكان ان نكثر من شرب عصير الليمون الحامض”.