لاعب كرة قدم سابق يبيع المثلجات في شوارع مدينة تعز
في اللحظة التي اشتعلت فيها الحرب, فُقدت الكثير من الحياة دفعة واحدة, توقف الأمل عن الدوران في البيوت, ضاقت الأرصفة باليائسين والمتعبين. قطاع الرياضية جزءاً مهماً من هذه القطاعات التي تجمدت وتكاد تنقرض. لم يعد من الممكن القيام بالأنشطة الرياضية, وكل العاملين فيها والمنتسبون إليها من لاعبين سابقين وخبراء وفنين, تجمدت حياتهم ضحية لأولويات الصراع.
الكابتن أحمد عبده أحمد علي نجم فريق أهلي تعز لكرة القدم في ثمانينيات القرن الماضي, واحداً ممن أعطبت الحرب حياتهم. أفنى جوهر عمره في خدمة الرياضة و الرياضيين. أنضم أحمد إلى صفوف الفريق الأول في النادي العام 1979, كان اصغر لاعبين الفريق آنذاك وبموهبة عالية أهلته للمشاركة مع منتخب الشباب في 1983م, وهو العام الذي حصد مع زملائه في نادي أهلي تعز لكرة القدم بطولة الدوري العام.
لم تكن حياة الرياضين سهلة كم يقول أحمد. في العام 1988 اضطرته ظروف عائلية إلى توقف قسري عن ممارسة كرة القدم, وهو في ذروة إبداعه. لكن عشقه للجلد المدور, وقدره في المستطيل الأخضر, واخلاصه لناديه أهلي تعز عاد به مجداً, بعد 15 سنة من ابتعاده عن النادي, لكن عودته كانت كطبيب علاج طبيعي, بخبرة اكتسبها من خلال الممارسة وبعض الدورات التي تلقاها في هذا المجال.
هذا العمل لم يكن يؤمن له عائداً شهرياً طوال السنة, كان لا يقبض شيئاً نظير خدماته خارج الفترة المحددة للنشاط الكروي , لكن حياته كانت سالكه ومصيره محفوف بالآمل.
حين بدأت الحرب, انقلبت حياته رأساً على عقب, وتحولت إلى مأساة كاملة, منذ اللحظة الأولى حين دوى صدى الانفجارات, بالقرب من منزله في حي كلابة, إذ فقد وزوجته على إثر الفجيعة جنينهما التوأم. فرّاَ نازحان مع وأولادهم الثلاثة إلى مسقط رأس زوجته في صبر, وبدأ رحلة مارثون علاجي لها افضى إلى غرقه بالديون.
استمرت رحلة النزوح القسري ثلاث سنوات, إلى أن اضطرته ظروف مرض والده بالعودة إلى المدينة, إذ توفي والده ولم يستطع علاجه.
في عمق المه وحزنه الكسير, وعجزه عن النفاذ من سجن المآسي, لجأ إلى أحد المنظمات التي منحته أدوات حفظ المثلجات, كانت فكرته التي فكر العمل بها, ليقتطع له عبرها شيئاً من حياة ومن كرامته.
يستيقظ كابتن أحمد, الرجل الخمسيني كل صباح يطوف بالأمل, يحمل حافظة المثلجات ويتجه نحو باب الحياة, يعبر الشوارع كبائع متجول, وفي توقيت يومي يضطجع على حجر أمام أحد المدارس, يبيع الطلبة مثلجاتهم المفضلة, ثم يجتاز حارات المدينة بزماره اليدوي. رغم قساوة الحياة, لا يبيع أحمد المثلجات فقط, بل ينشر البهجة وطاقة روح صوته في أزقة المدينة المتوجعة.
خلال أشهر من التعب تمكن أحمد من استئجار منزل متواضع في حي الشماسي, يعيش فيه مع زوجته, وفي نهاية كل أسبوع يذهب إلى زيارة اطفاله.. بعد أن فقد أثاث منزله السابق لم يتمكن من الحصول على أثاث جديد. وحين سؤاله عما ينقصه..
قال…
أعيش حياة نازح.
رغم ميلان الحياة نحو أحمد, فهو يعيش محفوفاً بالأمل وبقدرية الواثق من الحياة في انتظار اهتمام ما لسداد دينه الذي يقض مضجع حياته ولكي يلتئم مع أطفاله تحت سقف واحد وعائلة واحدة. يأمل تغير حياتهم إلى الافضل.