منعطف جديد يعيشه اليمن في ظل انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية بعد أن فقد الريال اليمني قيمته بنسبة 250% منذ بدء الصراع عام 2014، بحسب بيان صادر عن مكتب برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في اليمن.
ومع استمرار تصاعد المواجهات المسلحة بين أطراف الصراع للعام السادس على التوالي يدخل اليمن أسوأ أزمة اقتصادية على مستوى تاريخه، وسط تفاوت في أسعار العملات الجديدة، والقديمة، ومعاناة إضافية يتحمل أعباءها المواطنين.
وضع اقتصادي منهار
خلال الأيام الماضية انخفضت قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية إلى أدنى سعر، منذ بدء الحرب في 2014، متجاوزًا 900 ريال مقابل كل دولار، وسط تحذيرات دولية من مزيد من التراجع.
وقال رئيس مركز الدراسات والإعلام الإقتصادي مصطفى نصر “أمر مؤسف أن تتراجع العملة اليمنية بهذا الشكل الخطير جدًا وهذا التراجع تأثيراته السلبية كبيرة جدًا على الإقتصاد الوطني وعلى حياة الناس لاسيما وأن المواطنين يعيشون على المساعدات الإنسانية”.
وأضاف نصر في حديث لـ Humans Of Taiz : “ تعجز الكلمات عن وصف البؤس والعجز الذي وصلت اليه الحكومة الشرعية ” المعترف بها دوليا ” ازاء تدهور سعر الريال اليمني الى ما يقارب الف ريال للدولار الواحد”.
واصفاً الكارثة هذه المرة بالمزدوجة؛ في حين يؤدي تراجع سعر الريال إلى ارتفاع جنوني في اسعار السلع والخدمات يساهم في ذات الوقت بخلق قطيعة كاملة في التعاملات المالية بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين، حيث سيكون التعامل بالعملات الاجنبية هو السائد!
وبحسب مصادر مصرفية : فقد ارتفع سعر الدولار في مدينة عدن إلى 920 ريال مقابل 930 للبيع من محلات الصرافة.
وتضيف المصادر لـ Humans Of Taiz “في صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله الحوثيين وصل سعر الدولار إلى 600 مقابل 602 بيع من محلات الصرافة”.
المواطن ضحية !
بينما يعاني المواطنين في جميع أرجاء البلاد وضعًا مأساويًا متراكمًا منذ اندلاع الحرب المدمرة بات الوضع الإقتصادي للبلد على حافة الإنهيار مما ينذر بنتائج أكثر كارثية.
وأوضح أستاذ الإقتصاد بجامعة تعز أ.د محمد قحطان “أن الانهيار في سعر الريال اليمني مقابل أسعار العملات الأخرى بصورة عامة أدى إلى اشتداد معاناة الناس وصعوبة الحياة المعيشية خصوصًا مع تفاقم الوضع المعيشي وارتفاع نسب البطالة والفقر وانعدام الدخل لفئات واسعة من السكان بسبب توقف دفع الرواتب والأجور لفئات واسعة من موظفي الدولة، نتيجة استمرار الحرب.
وأضاف الدكتور قحطان لـ Humans Of Taiz “إن استمرار الوضع على ما هو عليه سيستمر تدهور سعر العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية والنتائج ستكون كارثية، بمعنى تحقق ما تتوقعه المنظمات الدولية من شيوع المجاعة وهلاك واسع للكثير من السكان“.
مشيرًا إلى أن عملية التحويل من المناطق المسيطر عليها الحكومة المعترف بها دوليًا إلى المناطق المسيطر عليها جماعة الحوثي باتت تتطلب عمولة تصل إلى 40% من سعر المبلغ”.
فيما ملامح موجعة كانت كفيلة بأن تجعل أمة الرحمن تبكي داخل إحدى محلات الصرافة حينما شاهدت أحد العمال الكادحين تغيرت ملامحه بعد أن طُلب منه نصف المبلغ الذي كان سيقوم بارساله لأطفاله عمولة تحويل.
تقول أمة الرحمن لـ Humans Of Taiz وهي طالبة جامعية وناشطة حقوقية في مدينة عدن
” عادة أقوم بارسال مصاريف إلى أمي في منطقة ماوية الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي وكانت عمولة التحويل تصل 4000 ريال على كل 10.000 آلاف ولكنني اليوم تفاجأت بأن عمولة تحويل مبلغ 12.000 ألف ريال وصلت إلى 7500″.
وتضيف أمة الرحمن ” أثناء تحويلي المبلغ من أحد محلات الصرافة بمحافظة عدن لاحظت أحد العمال الذين تظهر عليهم ملامح المعاناة والمشقة ومعه 20.000 ألف يريد إرسالها إلى أسرته في مدينة الحديدة الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي، لن أنسى تلك الملامح الموجعة التي شاهدتها في وجه هذا الرجل وهو منصدم من حجم المبلغ الذي طلب منه كـ عمولة تحويل والذي وصل إلى نصف المبلغ الذي سيقوم بارساله”.
واختتمت حديثها: “نسيت غصتي لعدم مقدرتي في إرسال المبلغ إلى أسرتي ولكنني تمنيت لو أني استطيع البكاء من شدة قهري على ذلك الرجل، وغادرت محل الصرافة وهو مايزال محتارًا بين إرسال المبلغ وعدم إرساله وكأنه يتساءل ماذا سيتبقى لأسرتي، خصوصًا مع إرتفاع أسعار المواد الغذائية “.
ويتساءل حسام الشراعي أحد رواد التواصل الإجتماعي متعجبًا بقوله: كم لبثنا !؟
بعد أن أشار في منشور له على الفيس بوك إلى إرتفاع سعر القرص الروتي إلى 50 ريال وسعر الطبق البيض إلى 2500 ريال في مدينة تعز!
أسباب
خبراء في الإقتصاد يكشفون عن أسباب تراجع العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، خلال الأيام القليلة الماضية.
إذ قال رئيس قسم الاقتصاد بجامعة تعز د. فؤاد ناصر البداي ” إن من أهم أسباب انهيار سعر العملة في مناطق الشرعية، عدم قيام الحكومة بتحصيل إيراداتها لتغطية نفقاتها واعتمادها في تغطية النفقات من خلال طبع أوراق نقدية جديدة من العملة، ذلك إلى جانب أن هناك سحب للعملة الأجنبية لتغطية نفقات الحكومة والمبتعثين للدراسة في الخارج وشراء متطلبات المجتمع من السلع المستوردة من الخارج خصوصاً بعد نفاذ الوديعة السعودية”.
وأضاف الدكتور ناصر في حديث لـ Humans Of Taiz ” أما بالنسبة لثبات سعر صرف الريال اليمني في مناطق سيطرة حكومة صنعاء، فمرده أن هذه الحكومة وعلى عكس الحكومة الشرعية تتمكن من الحصول على إيرادات مضاعفة عما كان عليه الوضع قبل الحرب، وفي المقابل لا تقوم بتحمل النفقات التي يجب عليها تحملها مثل صرف الرواتب في مناطق سيطرتها وتفيذ المشاريع الخدمية وغيرها”.
بينما يشير الخبير الإقتصادي مصطفى نصر إلى أن البنك المركزي اليمني لا يمتلك الكمية الكافية من العملات الصعبة، إضافة إلى القرارات المزدوجة التي تتخذ من البنك المركزي في صنعاء وفي عدن والتي منعت البنوك من فتح الاعتمادات المستندية أو قبول تمويلات من البنك المركزي في عدن مما أدى للاتجاه الى السوق السوداء بدلًا عن السوق المصرفي”.
ويضيف الخبير الإقتصادي نصر لـ Humans Of Taiz ” إن القرارات التي تم اتخاذها من قبل جماعة الحوثي بعدم التعامل بالعملة النقدية الجديدة ضاعفت في مسألة الضغوط على العملة الصعبة في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا”.
فيما لم يشهد اليمن من قبل وضعًا تتداخل فيه مثل هذه الأزمة الاقتصادية المحلية الحادة مع انخفاض حادٍ في التحويلات، وتناقص كبير في الدعم والمساعدات الإنسانية الأمر الذي جعله يعيش أسوأ كارثة على مستوى العالم .