في المهجر تبدأ الآلام !
وهب الدين العواضي – تعز
أُجبر كثيرون في اليمن على مغادرة البلاد التي تطحنها الحرب الأهلية منذ مارس/آذار2015، واللجوء إلى عدة بلدانٍ أخرى.يأملون أن يعثروا في نهاية الرحلة المضنية هذه على الأمن والاستقرار والحماية المفقودين في بلادهم، معولين على الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تكفلها لهم، قبل أن يجدوا أنفسهم عوضا عن ذلك أمام واقعٍ لا يختلف كثيرا عن ذلك الذي أعطوه ظهورهم وغادروه إلى المجهول.
العديد من اللاجئين اليمنيين تعرض للترحيل القسري في بعض الدول التي انتقلوا إليها، سواء كانوا من المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أو الذين عملوا على تقديم طلبات لجوء، كما حدث مع الشاب اللاجئ “مروان القحطاني” العالق في مطار إسطنبول بتركيا منذ 6 يونيو/حزيران الماضي وحتى كتابة هذا التقرير، بعدما رحلته السلطات المكسيكية من أراضيها.
يقول القحطاني أنه خرج من اليمن بسبب الحرب وتعرضه للابتزاز والتهديد فيها. ليهاجر إلى جمهورية الاكوادور فالمكسيك حيث تقدم بطلب للجوء، عدا أن سلطات الأخيرة قامت بترحيله إلى تركيا بعد احتجازها له عدة أيام. ليبدأ، بذلك، فصلا جديدا من التشرد.
ويضيف في حديثه، بأن مطار إسطنبول قام بعد ذلك بترحيله أيضًا إلى مصر والتي أعادته إلى مطار إسطنبول أيضًا ومن ثم إلى المكسيك مرة أخرى وإعادته إلى مطار إسطنبول ثانيةً، ليظل عالقًا طوال شهر يونيو وحتى اللحظة.
تُشكل عملية الترحيل القسري للاجئين اليمنيين أعباءً إضافية وتثقل من كاهلهم بعد أن عانوا من ويلات الحرب في البلاد، عوضًا عن التداعيات السلبية لذلك والمخاطر التي قد يتعرضون لها لاسيما في ظل تفشي فيروس كورونا”Covid-19″ في العالم، ما يجعلهم أكثر عرضةً للإصابة أثناء تنقلهم في المطارات باستمرار وإختلاطهم بالمسافرين.
تتعمد بعض الدول كالمكسيك والأردن وأسبانيا وغيرها على ترحيل اللاجئين اليمنيين قسريًا دون أي مبرراتٍ بالرغم من مصادقتها على اتفاقية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
نهاية مايو الماضي قامت أسبانيا بترحيل 40 لاجئًا يمنيًا، وفق تقارير حقوقية، فيما رحلت الأردن، التي تستضيف ما يقارب 14 ألفًا لاجئًا يمنيًا، أربعة منهم، نهاية السنة الماضية، بينما لايزال ثمانية آخرين مهددين بقرارات إبعاد يمكن تنفيذها في أي لحظةٍ، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش.
حق الحماية
تتضمن اتفاقية حقوق اللاجئين التي أقرتها المفوضية السامية لسنة 1951، ووقعت عليها 139 دولة على مستوى العالم، على الحق في الحماية، وبروتوكول سنة 1967 وسع نطاق حقوق اللاجئ لتشمل أيضًا حقوقه في، الحرية، العقيدة، والتنقل من مكان إلى آخر، والحق فى الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل، كما أنها تشدد على أهمية التزام اللاجئ تجاه الحكومة المضيفة.
يجد اللاجئ اليمني نفسه أثناء ترحيله من البلد التي أتخذ منها ملاذًا أمنًا وظِلاً يستظل به بعد أن قذفت به الحرب من موطنه، أمام خيارين، إما الاستمرار بالتشرد والنزوح من دولةٍ إلى أخرى، أو يضطر على العودة إلى موطنه ويجازف بحياته، خصوصًا إن كان معارضًا لأطراف سياسية معينة، كما هو الحال مع القحطاني، الذي يقول بأنه لا يستطيع العودة إلى اليمن ثانيةً لأن ذلك يشكل خطرًا على حياته، وهو الأمر الذي يتنافى مع الاتفاقيات والقوانيين الدولية.
إذ ينص أحد الأحكام الرئيسية من اتفاقية المفوضية تلك، على عدم جواز إعادة اللاجئين، وعدم إرغامهم على العودة إلى بلدان يخشى أن تتعرض فيها حياتهم للخطر، وأن الدول الموقعة على هذه الاتفاقية ملزمة بتنفيذ أحكامها وتحتفظ المفوضية بالتزام رقابي على هذه العملية، أما القانون الدولي الأنساني فقد نصت المادة 45 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، بشأن اللاجئين على أنه “لا يجوز نقل أي شخص محمي في أي حال إلى بلد يخشى فيه الاضطهاد بسبب آرائه السياسية أو عقائده الدينية “.
وعلى وقع عمليات الترحيل الحاصلة للاجئين على مستوى العالم، أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تقريرًا بمنتصف مايو الماضي، حذرت فيه الدول من عدم تصدير التزاماتها المتعلقة باللجوء والحماية، مشيرةً إلى أن مثل هذه الممارسات تهدد سلامة أولئك الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية.
وتقول مساعدة المفوض السامي لشؤون الحماية، جيليان تريغز، أن المفوضية تعارض وبشدة هذه المبادرات التي تنقل طالبي اللجوء قسرًا إلى دول أخرى، وأن مثل هذه الإجراءات تحول ببساطة المسؤوليات المتعلقة باللجوء إلى مكان آخر وهي تهرب من الالتزامات الدولية، مضيفةً أن ذلك يقوّض حقوق أولئك الذين يلتمسون الأمان والحماية وتشوه صورتهم وتعاقبهم وقد تعرض حياتهم للخطر.
انتهاكات جسيمة
ليس الترحيل وحدة ما يتعرض له اللاجئون اليمنيون في المهجر، بل تطالهم انتهاكات جسيمة ومخاطر كبيرة، كما حدث مع الطفلة اليمنية “سامية عبدالله”(14عامًا) في العاصمة الليبية طرابلس، والتي قام مسلحون مجهولون باختطافها قبل أيام، في 10 يونيو الفائت، وسط تجاهل السفارة اليمنية ووزارة الداخلية الليبية، وفق بيان المؤسسة الليبية “بلادي لحقوق الأنسان”.
وبحسب البيان فإن الطفلة كانت تعمل مع والدتها في سوق ببيع بعض المنتجات في منطقة “الكريمية” جنوبي طرابلس، وبأنها مسجلةً في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مشيرًا إلى أن الطفلة كانت قد تعرضت من قبل للاختطاف بمطلع 2019 من مكان إقامتها في المدينة القديمة وسط العاصمة إلا أن المفوضية لم تعمل على تقديم المساعدات لها و تغيير مكانها.
وفي ظل كل هذه الانتهاكات التي يتعرض لها هؤلاء اللاجئون يبقى صمت الحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا في اليمن هو سيد الموقف، ولم يصدر عنها أية مواقف رسمية أو العمل على متابعة أوضاع مواطنيها اللاجئين في تلك الدول، والحفاظ على حقوقهم والمطالبة بها.
وفي هذا الخصوص، ترى عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، إشراق المقطري أن المسؤولية الأكبر تقع على الحكومة اليمنية التي من المفترض أن تقوم بمتابعة ورعاية مواطنيها اللاجئين بسبب الحرب، والمطالبة بحقوقهم والقيام بالكثير من الإجراءات التي قد تساعدهم من خلال سفاراتها في تلك الدول وأيضًا علاقاتها الدبلوماسية، مشيرةً إلى أن عدم إحترام الدول والحكومات المُضيفة لكرامة اللاجئين والالتزام بالمواثيق الدولية يضعها في خانة انتهاكات حقوق الإنسان.
ومع استمرار النزوح والتشرد في ظل تصاعد حدة الإقتتال في البلاد، والتفشي الواسع لجائحة كورونا في العالم، يبقى اللاجئين اليمنيين تحت وطأة الانتهاكات ومرمى الجائحة.