“مرضى الصرع” منسيون في ظل جائحة كورونا

تقرير. شهاب العفيف

الصورة تعبيرية من احد مواقع الويب
0 273

“مرضى الصرع” منسيون في ظل جائحة كورونا

– شهاب العفيف

أثرت الحرب المستعرة في مدينة تعز منذ نهاية العام 2015 بين القوات الحكومية المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثي، على القطاع الصحي في المدينة.

وعلى الرغم من انتشار الأمراض والأوبئة في مدينة تعز، والذي كان أخرها فيروس كورونا كوفيد-19 في موجته الثانية، حيث وُجّهت جميع الإمكانات لمكافحته، إلا أن هناك فئة من المرضى منسيين من قبل السلطات الصحية في المدينة والمنظمات المحلية والدولية، وهم مرضى الصرع والضمور الدماغي الذين تتزايد حالتهم بشكل يومي في ظل الحرب.

مرضى منسيون

يعيش مصابو مرض الصرع بمدينة تعز في معاناة مستمرة بسبب مرضهم المزمن، إلا أنه ما يزيد من معاناتهم عدم الالتفات إليهم والإتمهام بتوفير علاجهم من قبل السلطات الصحية في المدينة، والمنظمات والجهات الداعمة في هذا المجال.

إذ أنه لا يوجد في مدينة تعز سواء مركز واحد فقط لتقييم ومعالجة مرضى الصرع والضمور الدماغي، ويفتقر المركز الذي يعمل على استقبال عشرات الحالات يوميًا لأبسط الأجهزة والمختبرات والعلاجات الخاصة بمرضى الصرع.

ويعد مركز” تقييم ومعالجة مرضى الصرع والضمور الدماغي” أول مركز متخصص في اليمن عامة ومحافظة تعز بشكل خاص، بمعالجة مرضى الصرع ومؤهل في بعض الأجهزة والمعدات الحديثة، أقامته مؤسسة رصد للتنمية الإنسانية في تعز بدعم ذاتي عام 2017 بعد أن ازدادت حالات الإصابة بالصرع.

ويقول مدير مؤسسة رصد، فارس الأثوري، إنه تم تأسيس المركز بسبب ارتفاع أعداد مرضى الصرع وعدم وجود جهات تقدم الخدمات الطبية لهذه الشريحة المنسية، إضافة إلى ارتفاع تكلفة عمل جهاز التشخيص EEG تخطيط الدماغ، وانعدام الأدوية الخاصة بالصرع وارتفاع أسعارها، مضيفًا أنه في العام 2017 عند تأسيس المركز كان يوجد 300 حالة مصابة بالصرع في تعز.

أيوب محمد (42 عامًا) لديه طفلان يعانون من الصرع والضمور الدماغي، يقول، إنه منذ ثمان سنوات وهو يعالج أبنائه باستمرار، لكن وضعه المادي أصبح لا يقويه على شراء علاجهم.

ويضيف محمد في حديثه، “

أولادي يستخدمون العلاج يوميًا، أشتريه في بداية كل شهر، أصبحت مديون لأني غير قادر أن أوفر العلاج بسبب  وضعي المادي المتردي”.

وبحسب محمد فإن تكلفة علاج  أطفاله أكثر من 65 ألف ريال يمني شهريًا، وأنه في بعض الوقت يتأخر بشراء العلاج، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الأطفال. مشيرًا إلى أنه سابقًا كان يستلم بعض العلاجات من مؤسسة داعمة لمركز معالجة مرضى الصرع بتعز، لكن دعم المؤسسة لم يستمر أكثر من سنة.

وتتضاعف معاناة مرضى الصرع في المناطق الريفية والنائية باليمن، نتيجة عدم توفّر مراكز وعيادات متخصصة لعلاج الأمراض العصبية هناك.

المدير التنفيذي لمركز معالجة مرضى الصرع بتعز، الدكتورة سوسن جار الله، تقول إن المركز ينقصه الكثير من الاحتياجات أبرزها عدم توفر علاجات للمرضى، ويحتاج المركز لإعداد وتجهيز مختبر خاص، لكي يتم استقبال ومعالجة ومتابعة المرضى، وجهاز طبقي محوري، وقسم الأشعة، وتعتبر هذه الاحتياجات جزء من أهم الاحتياجات التي يحتاجها المركز وتسعى إدارة المركز إلى توفيرها.

وتضيف سوسن، ” بلغ إجمالي عدد المرضى في قاعدة بيانات المركز 2000 مريضًا بالصرع، ونتوقع مع نهاية العام الجاري أن يصل عدد المرضى إلى ثلاثة ألف مريض”.

وأكدت سوسن أن العدد متزايد بشكل كبير، إذ أن يوميًا تتردد عشرات الحالات إلى المركز.

وبحسب إحصائية لمؤسسة رصد فإن إجمالي الإصابات بمرض الصرع بتعز بلغت 1373 حالة حتى نهاية شهر مارس من العام الماضي 2020. منها 480 حالة بسبب الحرب، و267 من النازحين الذين شردوا للسبب نفسه.

ومن أسباب زيادة حالات الإصابة بمرض الصرع، تبعات الحرب الجارية في البلاد منذ أكثر من ست سنوات، فهي مسؤولة عن ازدياد حالات سوء التغذية والضغوطات النفسية والتوترات والتشنجات ،بالإضافة إلى العوامل الأخرى التي تعتبر وراثية، وزواج الأقارب، والولادة الغير آمنة، والفقر المدقع، وغيرها من العوامل كأن يتعرض الشخص لضربة في رأسه يفقد على إثرها العديد من خلايا الدماغ.

وكل هذه العوامل والتي أبرزها الحرب هي التي أدت إلى زيادة انتشار حالات مرضى الصرع في محافظة تعز.

هناك حالات كثيرة من مرضى الصرع، وأكثرهم من الفئات الفقيرة جدًا أو الذين لا يستطيعون حتى الحصول على العلاج.

غالبية المرضى من الأطفال، بعضهم يكون صرع لوحده والبعض الآخر مزدوج يأتي مع الضمور في الدماغ اختناق وليدي بسبب أن أكثر النساء في اليمن خاصة بالأرياف يلدن في البيوت والذي قد يسبب باختناق للطفل ويحصل موت خلايا في الدماغ الذي يؤدي لضموره، وبالتالي يحصل نوبات تشنجية كالشحنات كهربائية وهي الصرع.

مسؤول في مكتب الصحة بتعز “فضل عدم ذكر اسمه” يؤكد أن مرضى الصرع بتعز من المرضى المنسيين، لا أحد يلتفت إليهم  سواء المنظمات العاملة في مجال الصحة أو الجهات الأخرى والسلطات الصحية بالمحافظة، ووزارة الصحة. فقد وصفهم بأنهم مرضى لا يهتم بهم أحد.

إهمال متعمد

تعد مدينة تعز من أشهر المحافظات اليمنية التي يتواجد فيها مرض الصرع، حيث عملت الحرب التي شهدتها المدينة على زيادة حالات الصرع بشكل كثيف وأكثر مما كان عليه سابقًا.

 

إذ أن الإهمال المتعمد من قبل الحكومة والسلطات الصحية بتعز وبعض الأطباء، أدى إلى انتشار هذا المرض ومخلفاته.

يقول أخصائي أمراض وجراحة المخ والأعصاب بتعز،الدكتور أحمد قحطان، أن الحكومة لا تعير فئة مرضى الصرع أي اهتمام، إذ يفترض أن تقوم الحكومة ومعها السلطات الصحية بالمدينة بواجباتها وأقل مايمكن توفيره، إنشاء عدة مراكز لمعالجة الصرع وتوفير العلاجات التي قد تشفي المرضى. فالمنظمات تقوم بدعم مركز الصرع الوحيد بتعز لفترة معينة وجيزة ثم تختف وتذهب دون مواصلة دعم المرضى.

فالناس يتواردون إلى مركز الصرع بكميات كبيرة بحثًا عن العلاج وعن التخطيط لأن ظروفهم مع هذا الوضع لا يستطيعون مواصلة العلاج ولا عمل تخاطيط للدماغ في العيادات الخاصة، والمركز متوفر فيه قلو قليلة من العلاجات كما أن ثقافة الناس تلعب دورًا كبيرًا حيث يهملون أطفالهم ولا يتابعون حالاتهم بعد، للحصول على العلاج.

مدير مستشفى الأمراض النفسية والعصبية التابع لمكتب الصحة والسكان بتعز، الدكتور عادل ملهي، يقول إن مركز مرض الصرع مستقل، وأنهم يشرفون على الجانب الفني فقط.

ويضيف ملهي أن المستشفى غير قادر على دعم مركز الصرع، لأنه بحاجة دعم أولًا، فإعتمادات مكتب الصحة بالمحافظة لا تكفي لمستشفى الأمراض النفسية.

مرضى بدون إجراءات وقائية

عند انتشار الموجة الثانية من وباء كورونا (كوفيد-19) في مدينة تعز، تم تقليص الكادر الطبي العامل في مركز مرضى الصرع، فيما أصيب بعض المرضى والكادر الطبي بالفيروس المستجد؛ وذلك لعدم وجود إجراءات وأدوات طبية وقائية في المركز.

“حاولنا قدر الإمكان عبر مؤسسة حماية القانون والسلم الاجتماعي – التي تسلمت المركز مطلع العام الجاري خلفًا لمؤسسة رصد-  أن نوفر بعض الأدوات الوقائية الطبية للحماية الشخصية للكادر من خطر الإصابة بفيروس كورونا، فقد وفرنا بعض الأدوات، لكن المرضى ظلوا دون إجراءات حتى أصيب بعضهم بالفيروس” تضيف سوسن.

وكان بعض المرضى يضطرون أن يشتروا بعض الأدوات الطبية للوقاية كالكمامات والمعقمات، وذلك لأنه لم توفر السلطات الصحية في المحافظة إجراءات السلامة للكادر الطبي والمرضى من أدوات طبية ومعقمات، لمركز مرضى الصرع.

“لم نخاف من الإصابة بفيروس كورونا، فتعب وألم أطفالي جعلني أنظر للفيروس بأنه مرض بسيط، كانوا أولادي يعانون كثيرًا في ذلك الوقت؛ لذلك لم نقعد في البيت واستمريت بمتابعة حالات أطفالي في المركز” يؤكد أيوب.

وفي السياق يصف الدكتور قحطان إهمال السلطات لهذه الفئة من المرضى قائلًا: “نحن ندرك أن فيروس كورونا من الأمراض القاتلة ويجب على السلطات الصحية أن تركز بشكل كبير للحفاظ على صحة وسلامة المواطن من الأوبئة، إلا أنه لا ننسى بأن هناك بعض الأمراض والتي فترات علاجها طويلة مثل مرض الصرع والضمور الدماغي التي تشهد إهمالًا مستمرًا” .

ويضيف قحطان، أنه خلال جائحة كورونا لم يتم إغلاق المركز لكن الكادر الطبي والإداري عمل على الوقاية بظروفه الخاصة الذين استطاعوا توفيرها من الصيدليات؛ وذلك لعدم وجود جهة تدعم المركز بمسلتزمات الوقاية الشخصية.

الجدير ذكره أن المرضى لم يتوفر لهم أي أدوات طبية وقائية تقيهم من الفيروس، ماجعلهم عرضة لخطر الإصابة.

مركز وحيد وخال من العلاج

يقدم مركز معالجة وتقييم مرضى الصرع جميع الخدمات مجانية، منها التشخيص عن طريق أطباء متخصصين، وقسم الدعم النفسي، وقسم خاص بتخطيط الدماغ، بالإضافة إلى أرشفة وتجميع البيانات الخاصة بمرضى الصرع.

الكادر الطبي في المركز يعمل بشكل طوعي، فيما مؤسسة حماية القانون قامت بتوفير بدل مواصلات للموظفين.

الأربعينية مروى أحمد “اسم مستعار” تقول إنها تأتي من منطقة النشمة جنوبي المدينة، لمعالجة ابنتيها المصابتان بمرض الصرع، وأنها غير قادرة على شراء العلاج حيث المركز لا يوفر لهم أي شي من العلاجات التي يوصفها لهم الطبيب المعالج فيه.

ويعمل الدكتور قحطان في مركز الصرع كل يوم إثنين، ويستقبل في هذا اليوم أكثر من 40 حالة مصابة بالصرع. أغلبهم يأتون من مناطق بعيدة بحثًا عن العلاج، وكان المركز قد حصل على كمية بسيطة من العلاجات، وُزعت خلال يومين فقط، من استلامها،  والمركز حاليًا خال من العلاجات، وعندما يأتي أهالي المرضى للبحث عن علاج بعد أن ارتفعت أسعاره في السوق بشكل هائل، لا يبقى بدينا إلا أن نقول له يترك رقم جواله وعند وصول العلاج سيتم التواصل معهم. يؤكد قحطان.

في سياق متصل قالت الدكتورة سوسن، إن المركز لا يتوفر فيه علاجات مرض الصرع، مناشدة الجهات الصحية الحكومية والمنظمات على دعم المركز، كونه الوحيد في المحافظة.

معاناة

يواجه مرضى الصرع في الوصول إلى المركز صعوبات عديدة، كالتنقل من خارج المدينة أو المناطق البعيدة المتواجدة في أرياف تعز، مثل مناطق  شرعب والحوبان وسامع وجبل حبشي والمعافر والمسراخ.

فيما بعض المرضى يصلون المركز في اليوم المحدد لهم الحضور وقد إنتهاء دوام المركز، فيضطرون مع أسرهم المكوث داخل المدينة إلى يوم آخر، وذلك لأنه يوجد يومين فقط محددة في الأسبوع يحضر فيها الأطباء المتطوعين لمعالجة المرضى ، وعمل لهم التخطيط.

وتشير مروى إلى أنه بسبب بعد الطريق تأتي بابنتيها إلى المركز بشكل متقطع، كونها غير قادرة على شراء العلاج وتحمل تكاليف السفر.

وفي بعض الوقت يتم تأخير المريض عدة أيام بسبب عدم وجود وقت كاف لمعالجته لكثافة إقبال المرضى على المركز كونه الوحيد في المدينة.

فالمركز مستقل ولا يتبع الجهات الحكومية كمكتب الصحة في المحافظة أو مستشفى الأمراض النفسية والعصبية.

بحسب إحصائيات لمنظمة الصحة العالمية فإن 50 مليون شخصًا في العالم يعانون من مرض الصرع.

ويعود ذلك في الغالب إلى زيادة مخاطر الأمراض المتوطنة مثل الملاريا وداء الكيسات المذنبة العصبي؛ وارتفاع معدلات الإصابات الناجمة عن حوادث المرور؛ والإصابات المرتبطة بالولادة؛ والتفاوتات في البنى التحتية الطبية، وتوافر البرامج الصحية الوقائية وإتاحة الرعاية الصحية. ويعيش 80% من الأشخاص المصابين بالصرع في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

والصرع هو اضطراب مزمن يصيب الدماغ ويتأثر به الأشخاص في جميع أنحاء العالم. ويتميز بنوبات متكررة، هي عبارة عن نوبات وجيزة من الحركة اللاإرادية التي قد تخص جزءًا من الجسم أو الجسم كله، ويصاحبها أحيانًا فقدان الوعي وعدم التحكم في وظائف الأمعاء أو المثانة.

 

“تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا”.

اترك تعليقا