الجهل واللا مسؤلية .. وباء يفتك بمواطنين عدن أكثر من كورونا
تقرير/ ريم الفضلي
مع بدء جائحة كورونا سيطر على المشهد في عدن نوع من الجهل في أوساط المجتمع واللا مسؤلية من قبل القطاع الصحي في المدينة والذي فاقم من معاناة بعض المرضى، وفي الظروف التي عاشتها مدينة عدن، برز في مقدمة المشهد أن الموت قد لا يأتي فقط من فيروس كورونا، بل ان الجهل قد قتل الكثير منهم.
تزامنا مع بداية انتشار الجائحة أغلقت العديد من المشفيات أبوابها أمام المرضى خوفا من الإصابة بالمرض، ومات الكثير من كان بحاجة لعناية صحية أشهرهم الطفلة جواهر والتي قتلت بدم بارد في 28 من مارس2020، وكل ما كانت بحاجته حينها جلسة اكسجين كي تكمل حياتها ولكن شياطين المستفشيات لم ترد لها ذلك وأقفلو كل الابواب في وجهها المتعب دون أي رحمة.
وفي الوقت الذي توحد فيه كل اطباء العالم لانقاذ شعوبهم من فيروس كورونا المستجد رفضت العديد من المستشفيات في عدن استقبال العديد من المرضى، ابزرهم الطفلة جواهر المصابة بأزمة ربو. والتي كانت تحتاج الى جلسة اوكسجين فقط بالرغم من كل الوثائق التي عرضها اهلها على الاطباء ليؤكدوا حقيقة مرض ابنتهم وعدم اصابتها بفيروس كورونا ولكن خوف الاطباء واستهتار العديد من المستشفيات كان اكبر من ادراك الحقيقة وتحمل مسؤليتهم في انقاد حياة الطفلة وادخالها للمستشفى لتلقي العلاج.
اللا مسؤلية القاتلة!
عندما ذهب الأب بابنته إلى المستشفيات الخاصة والحكومية طلبا للنجدة فرفضتها كل المستشفيات والمراكز الصحية باعتبارها مصابة بعدوى كورونا، رغم الملف الممتلئ بالفحوص والتشخيصات والعلاجات التي تلقتها منذ ما قبل انتشار كورونا بقرابة عام.
وتحجج الاطباء من ان حقيقة اصابة الطفلة بالربو لا ينفي اصابتها بفيروس كورونا وانهم لا يمتلكون وسائل الحماية اللازمة لمحاربة المرض اسوة ببقية العالم وانهم يقدمون خدمتهم رغم ذلك ولكن بحذر شديد.
وخرج أهل الطفلة جواهر حينها ببيان لوسائل الاعلام لشرح تفاصيل الواقعة ذكر فيه ان الطفلة تعاني منذ أكثر من عام من التهابات رئوية ومتاعب في التنفس، وتنقلت و ورقدت في أكثر من مستشفى بين أبين وعدن، وفي الأسبوع الأخير من رحلة علاجها المؤلمة في ظل أجواء فوبيا كورونا.
وذكر الاهل ان صحة طفلتهم تدهورت في الايام الاخيرة فقررت إحدى الطبيبات في مستشفى الصداقة التخلص من وجود الطفلة في المستشفى من خلال إقناع أبيها بأن الطفلة ستموت وعليه أن يبحث لها عن مستشفى آخر.
تجارة ربحية تفتقد إلى الإنسانية
لا جديد يذكر حين يتعلق الأمر بالقطاع الصحي في المدينة وليست القصة الاولى وما خفي كان أعظم. وبين حين واخر تعودت مدينة عدن عيش قصص مماثلة يكون سببها العجز الصحي ولكن هذه المرة كان القاتل هو الخوف والا مسؤلية ممن يحمل على عاتقه مسؤلية علاج المرضى.
ويرجع المسئولون عن المراكز الطبية في عدن ان ما تعانيه المستشفيات من عجز في غرف العناية المركزة التي تحتاج إلى الإنعاش يرجع إلى محدودية الإمكانيات المادية والبشرية والطبية.
ويؤكد مراقبون عجز غالبية مستشفيات المدينة منذ سنين طويلة في تقديم العناية المركزية للمرضى وجلسات الاكسجين وعدم تواجد كادر صحي مؤهل بسبب عزوف الطلبة في كليات الطب عن التخصص في العناية المركزة لان في الغالب لا يمكنهم من كسب الرزق وفتح عيادات خاصة مثل أطباء المخ او الجراحة وغيرهم ، في وقت أصبحت فيه مهنة الطب تجارة ربحيه تفتقد إلى الإنسانية.
وباء الجهل في زمن كورونا
خلال الشهور الاولى من تفشي فايروس كورونا واتخاذ الإجراءات لمواجهته ومنها منع التجمعات بمختلف اشكالها وخاصة الدينية، الأمر الذي دفع بالعديد من رجال الدين إلى استغلال عاطفة فئات من المجتمع لعدم الانصياع للدعوات التي تطالب بالوقاية ورفض إغلاق المساجد من خلال ممارسة سياسة الجهل، وخرج بعض الخطباء بمهاجمة السلطات المحلية واتهامهم بمحاربة “العقيدة الدينية”.
وفي هذا السياق تحدث الباحث الأكاديمي “محمد فائز” 35 عاما، والذي اخبرنا بانه
“لو قمت بالبحث في العالم كله فلن تجد قوماً أو ديناً لا يؤمن بالخرافات، فما دام هناك جهل، فإن البعض سيتمسكون بالخرافات. إن التخلص من الجهل هو الحل الوحيد.”
ليكمل حديثه قائلا:”انّها معركة خاسرة، فالجهل والإيمان بالخرافات ينتشران كالنار في الهشيم، وأعتقد أنّ رجال الدين يغذون هذه النار ليضمنوا مراكزهم. ولهذا أصبحت على قناعة بأنني يجب أن أكون حراً، وإذا لم تكن تلك الطائفة موجودة، فعليّ أن أعيش دون طائفة، وهذه أصبحت مشكلة نعاني منها في مواجهة اخطر وباء يهدد البشرية مع الغياب العلاج المناسب للقضاء عليه، بعد ان عجزت دول تمتلك إمكانيات طبية وأرصدة مالية عن الصمود أمامه.”
تمر الشهور بسرعة ويستقبل أهالي مدينة عدن شهر رمضان في ظل أوضاع استثنائية، فرضتها الظروف الصحية والمعيشية المعقدة التي تمر بها البلاد.
ورغم هذه الأوضاع، إلا أن المواطنين أصروا على عيش حياة طبيعية والاستعداد لرمضان بذات الزخم الذي اعتادوه حتى موسم العيد لم يشهد اي تغير مع إصرار غالبية الشعب أن الفايروس مجرد كذبة ومؤامرة عالمية لا شأن لمدينة عدن في كل ما يحدث.
أغلق المطار والمدارس وقيدت السفر من محافظة إلى أخرى، لكن الناس في عدن استمروا بالتسوق وركوب الحافلات المزدحمة والتجمع لأداء الصلوات في المساجد رغم إعلان السلطات حظرا جزئيا للتجوال في المدينة لم يتم تنفيذه والالتزام له حتى مع قوة القانون.
المدينة تدفع ثمن تحدي الوباء
كانت المدينة مع اول عيد فطر في زمن كورونا والبعض قرر تحدي قرار منع صلاة العيد في الشوارع المتعارف عليها كل عام ليصلي جماعة في إحد مساجد مديرية خور مكسر ولم تمضي الايام حتى يدفع الاهالي الثمن غاليا ويقبر العشرات من ذويهم كل يوم مع استمرار نكران وجود المرض والتذرع بالحميات والأوبئة بالرغم من انتشار اعراض الفيروس ذاتها بين المرضى وموت غالبيتهم مختنقا بسوائله.
2020 كانت سنة قاسية على المدينة، البعض تعلم الدرس وفهم أن المفترض، بعد تجاوز الأزمة، أن يقف الجميع أمام الدرس الحقيقي للجائحة وما يمكن أن يأتي بعده من فيروسات غاية في الخطورة، وما لم يتم تأسيس بنية تحتية صحيحة للعلم والعقل، ويتم دعم البنيات التحتية في القطاع الصحي لضمان صحة مجانية جيدة لكل المواطنين، ما لم تضمن المدينة في المستقبل القريب تعليما جيدا وحقيقي فسيهزم الإنسان لا محالة امام الفيروسات وسيننصر الجهل والخرافة وسيخمد صوت الانسان.
أنتج هذا التقرير بدعم من JHR/JDH – صحفيون من اجل حقوق الانسان و الشؤون العالمية في كندا