المرضى النفسيين .. الموت على قارعة الطريق
رانيا عبدالله . تعز
لم تتمكن أسرة ( أحمد ) ـ أسم مستعار ـ من تحمل تكاليف علاجه في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بمدينة تعز وسط اليمن ، مما جعله واحداً من المرضى النفسيين المنتشرين في شوارع المدينة دون مأوى .
ومع قلة وجود مراكز ومؤسسات الطب النفسي ينتشر المرضى النفسيين في الشوارع العامة والأزقة خصوصاً في السنوات الأخيرة ويشكلون تهديداً على الأمن العام وعلى أنفسهم ، كما أنهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية والاوبئة.
تقول شقيقة أحمد
: ” أصيب أخي الكبير بصدمة نفسية الزمته البقاء وحيداً في غرفته وتطورت حالته إلى الأسوأ ، وبعد ان رأينا حالته تزداد سوء قمنا بعلاجه في مستشفى الامراض النفسية والعصبية بتعز، لكننا عجزنا عن إستكمال علاجه فأخرجناه من المستشفى واكتفينا بعلاجه ببعض الأدوية التي قررها الطبيب في المنزل لكن حالته زادت سوء ” .
بحسرة تضيف شقيقة أحمد
:” لو كان معنا المال أو كان علاج ورعاية المريض النفسي مجان ما وصل حال أخي إلى هذه المرحلة المتأخرة ” .
كورونا واهمال
وفي ظل انتشار جائحة كورونا لم تقم الجهات المعنية والسلطات المحلية بدورها المطلوب مع هذه الشريحة لتوفير الرعاية اللازمة وتقديم الخدمات الطبية والصحية واحتوائهم من الشارع إلى المستشفى لضمان حمياتهم وحفظ حقهم في التطبيب والعلاج .
” الآن أخي ضمن المختلين عقلياً في الشارع ، لم نستطع ابقائه في المنزل لأننا لم نتمكن من السيطرة عليه ، واثناء انتشار جائحة كورونا في البلد حاولت امي أخذه إلى المنزل حتى لا يصاب بالفيروس، لكنها لم تنجح في ذلك “ تقول شقيقة أحمد .
أحمد وكثير من المرضى النفسيين يتجولون في شوارع المدينة في ظل انعدام كامل لأبسط الرعاية الطبية التي يجب تقديمها لهم سواء من قبل السلطة المحلية ومكتب الصحة أو من قبل أهاليهم الذين تخلوا عنهم لارتفاع تكاليف العلاج، وبسبب عدم استطاعتهم السيطرة على تصرفاتهم العدوانية في المنزل.
مخصصات قليلة
وعن دور مستشفى الأمراض النفسية تجاه هذه الشريحة يقول الدكتور ياسين القدسي ـ نائب مدير مستشفى الامراض النفسية والعصبية : ” أن المستشفى يعاني من شحة الامكانات والمخصصات للمرضى ، وللمستشفى اعتماد مخصص لـ(60) مريض فقط ، بينما المرضى النازلين في المستشفى ( 140 ) مريض ولا يستطيع المستشفى تقديم الخدمات الطبية لهم بشكل المطلوب بسبب شحة الإمكانات حيث أن احتياجات المرضى النفسيين أكثر بكثير من المرضى العاديين ” .
وأضاف : ” مسؤولية أخذ المختلين عقلياً من الشوارع وإيصالهم إلى المستشفى تقع على عاتق الجهات الأمنية وسيحظى هؤلاء المرضى بما يحظى به المريض في المستشفى بحسب الامكانات الموجودة من غذاء ودواء ” .
وأكد القدسي أن عدم الالتزام بالعلاج والاهتمام من قبل الأهل منذ بداية المرض يجعل حالة المريض النفسي تتدهور حتى يصل بهم الحال إلى عدم القدرة على السيطرة وبالتالي نجد في الشوارع .
تعاون مع الجهات الامنية
من جهته قال المقدم أسامة الشرعبي ـ مدير إدارة التوجية المعنوي والعلاقات العامة بشرطة تعز : ” نحن كجهة تنفيذية بالإمكان أن نتعاون مع أي جهة بهذا الشأن والمسؤولية تجاه المختلين عقلياً تقع على إدارة المستشفى التابعة لوزارة الصحة للاهتمام ورعاية هذه الشريحة” .
وفي رد لما قاله نائب مدير مستشفى الأمراض النفسية بخصوص مسؤولية الجهات الأمنية بشأن المرضى النفسيين الذين يجيبون الشوارع قال الشرعبي:
” بإمكان المستشفى التخاطب معنا بمذكرة رسمية ليتم التنسيق معنا لإيصال هذه الشريحة إلى المستشفى والتعاون مع إدارة المستشفى في هذا الجانب لأن ذلك من صلب تخصص المستشفى” .
لقاح كورونا
من جانبه أوضح الدكتور راجح المليكي ـ مدير مكتب الصحة العامة بتعز قائلاً : ” إن الميزانية المقررة لقطاع الصحة بتعز 50% من ميزانية العام 2014 م والتي كانت لا تلبي 10% من ميزانية المستشفيات ولا تفي بأبسط الاحتياجات لتقديم الخدمات الصحية بالشكل المطلوب “.
وفيما يخص عدم استهداف هذه الشريحة بتطعيمها بلقاح كورونا قال المليكي :” إن كمية اللقاح التي وصلت فقط للفئات المستهدفة من الكادر الطبي وكبار السن ، ولا تكفي لتلقيح كل الفئات ” ، كما أكد المليكي على أهمية تفعيل دور الصحة النفسية في وزارة الصحة ، والجمعيات المهتمة بالأمراض النفسانيين لتقديم الخدمات بالشكل المطلوب.
نقص بالمنشأت
وبحسب دراسة تقدير انتشار الاضطرابات النفسية بين السكان المتضررين من الحرب في اليمن خلال الفترة 2014 و2017 التي أجرتها مؤسسة التنمية والارشاد الأسري فإن اليمن تعاني من نقص حاد في مواد وإحتياجات وخدمات الصحة النفسية المتخصصة، فالعاملين في مجال الصحة النفسية من الأطباء النفسيين لا يتجاوز عددهم 46 طبيباً وهو ما يعني طبيب نفسي واحد لكل ( 600.000 ) شخص تقريباً وعدد المعالجين الاخصائيين النفسيين( 130 ) معالج نفسي والممرضين النفسيين لا يتجاوز ( 25 ) ممرضاً نفسياً ، كما أن اليمن تعاني نقص حاد في المنشأت .
” تم نشر هذا التقرير بدعم من JHR \ JDH ـ صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا ” .