النقش في الصغر

سكينة محمد

125

تقف المعلمة إلهام بجاش والمعلمة إيمان أديب، جوار شباك غرفة الصف واحدة تكتب والأخرى تسند السبورة المتحركة ويعلو صوت الأطفال (جَ، جِ، جُ) مرفقة بحركات اليد لأصوات الحروف.

يعقبها أسئلة وتصفيق وتعزيز للأطفال وأشعار كل واحد منهم إنه الأفضل بينهم، هكذا تنهج إلهام وإيمان معلمتان في الروضة ما قبل المدرسة، بقرية في أطراف مديرية شرعب السلام في الجزء الشمالي لمحافظة تعز.

تقول إلهام بدأت الفكرة منذ تخرجي من الجامعة 2011 حيث عملت مُعلمة بديلة في مدرسة/بلقيس رداع -البيضاء-عام2011، كنت أذهب لتحفيظ القرآن صباحاً وأثناء عودتي مع إحدى الزميلات لي نمر على مدرسة الروضة لأخذ طفلها.

علماً إن عملي بالمدرسة مساء وبعدها عملت في مدارس أهلية بمحافظة تعز في رياض الأطفال وبدأت اكتسب مهارات التعامل مع الأطفال، وكان عمل بمقابل مادي، والبلد لا تزال مستقرة وأثناء عملي في المدرسة بمدينة تعز التقيت بصديقة من ذات قريتنا تعمل بنفس المدرسة عملنا مع بعض وفجأة قامت الحرب ونزحت  صديقتي من المدينة إلى قريتنا، وأنا انتقلت للقرية للاستقرار؛ فعملت مدرسة  بديلة في مدرسة  أساسية العام  2015

ولأننا في قرية شبه نائية يوجد فيها تعليم أساسي وثانوي، ولا يوجد تعليم مبكر أضف الى أن النزوح زاد من عدد الطلاب الملتحقين بالمدرسة، وبدأت فكرة افتتاح روضة تتبلور ببالي، ولكن ستكون هذه المرة تطوعية، بسبب أوضاع الناس المادية في القرية وكذلك بدء محاصرة مدينة تعز وغلاء المشتقات النفطية وقتها وندرتها بدأت بعرض الفكرة على بعض المربيات في الصفوف الأولى بالمدرسة التي أعمل بها كمدرسة بديلة، والمربيات فرحبن بالفكرة كونهن لهن أطفال وكان أملهنّ أن يلتحقوا بالتعليم قبل سن المدرسة

عرضت الفكرة ايضا على صديقتي التي نزحت معي وكانت تمر بوقت عصيب وسيء.

عملت صديقتي لفترة قصيرة وبمساعدة مني ولم تستمر لفترة طويلة، وأكملت بعدها بمفردي، حتى التحقت بالفكرة الأستاذة إيمان وبدأنا تشارك الحلم تحديدا منذ بداية العام الدراسي 2017 كفكرة رائدة في مناطق شبه نائية.

 

“الكتابة بالفحم “

كانت إيمان أديب تخرجت من المدرسة الثانوية العام 2016، وتحب تعليم الأطفال لكنها تفتقر للمهارة والخبرة، وترغب بدراسة رياض الأطفال كتخصص، ولكن بسبب الحرب تقطعت بها السبل ولم تستطع إكمال تعليمها الجامعي؛ لكن تعليم الأطفال فكرة ظلت تراودها، فبدأت بتعليمهم في سن الرابعة والخامسة والسادسة بالمنزل، كانت تقف إيمان  أمام المنزل وتكتب على خزان الماء بالفحم وتشرح لهم الحروف والأرقام وتعلمهم المهارات الأولى للقراءة والحساب ولاقت فكرتها رواجا لدى الأهالي وبدأوا بإرسال أطفالهم لمنزلها، وبلع عددهم 15 طفلا مع اكتمال الشهر الأول وأحبها الأطفال فأحبتهم ، وأصرت إيمان على المواصلة؛ ولكن بسبب تواجدها بالخارج يتعرض الأطفال للشمس أحيانا وتضطر لنقل المكان للجهة الأخرى حيث الظل وأيام المطر تضطر إدخالهم غرفة ضيقة بالجوار وأحيانا يمنعهم الريح من مواصلة الدروس، وهنا اقترحت لها إحدى الأمهات لو تنقل الفكرة لإدارة المدرسة في القرية وتنقل الطلاب الى احد الفصول هناك، ليكونوا في مكان آمن و بيئة افضل.

عملت إيمان على تنمية مهاراتها في تعليم الأطفال واستقت طرقا من الانترنت في التعليم الحديث والنشط، واستعارت كتبا تابعة للروضة من مدارس مدينة تعز للقراءة، وكانت تذهب للمدرسة وتستمع لمربيي الصفوف الأولى كيف يدرسون، وتتعلم طرق الرسم.

 

 

موسم التنفيذ. 

مع بداية العام 2017 بدأت المعلمتان إلهام وإيمان ببلورة فكرة قابلة للتنفيذ، وعرضنها بمساعدة الأهالي ومربيات مدرسة محمد بن زياد بشرعب السلام بني وهبان، على مدير المدرسة بغية الحصول على غرفة صف دراسي في المدرسة لتدريس الأطفال تطوعا، بلا مقابل كروضة أطفال.

رحب مدير المدرسة بالفكرة رغم تخوفه من فكرة أن ينشأ تعليم مبكر في المدرسة دون إذن التربية والتعليم في المديرية؛ فعرض الفكرة على إدارة التربية وقالوا له إذا الموضوع تطوعي ولن تمنح شهادات مدرسية تنقل الطفل من مرحلة لمرحلة فلا ضير.

بدأت إلهام وإيمان الترتيب للفكرة، علمت إيمان عدد 20 طفلا في الفترة الصباحية، وعلمت إلهام 20 طفلا خلال الفترة المسائية، كأول رياض أطفال في المنطقة وبشكل طوعي. قوبلت الفكرة بالترحيب من الأهالي ومن الأمهات تحديدا وحضين بالشكر والتقدير من أعيان المنطقة.

لم تكتف إيمان وإلهام بذلك فمنذ منتصف العام 2017 توقفت رواتب المعلمين في المدرسة وقل عددهم في الدوام ومع تزايد أعداد الطلاب في المدرسة بسبب النزوح كن يتطوعن لتدريس بعض المواد للصفين الرابع والخامس في ذات المدرسة.

تقول إلهام:

كمسؤلية أخلاقية تجاه المدرسة التي فتحت أبوابها لفكرتنا قررنا المشاركة وكذلك بسبب سوء الوضع التعليمي المتدهور سنة عن أخرى.

وبحسب منظمة اليونسيف   “كان للنزاع والتعطيل المستمر للعملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد وتجزئة نظام التعليم شبه المنهار أصلاً تأثيراً بالغًا على التعلم والنمو الإدراكي والعاطفي العام والصحة العقلية لكافة الأطفال في سن الدراسة البالغ عددهم 10,6 مليون طالب وطالبة في اليمن. حيث دُمّرت 2,916 مدرسة (واحدة على الأقل من بين كل 4 مدارس) أو تضررت جزئيًا أو تم استخدامها لأغراض غير تعليمية نتيجة 7 سنوات من النزاع الذي شهدته البلاد. كما يواجه الهيكل التعليمي مزيداً من العوائق تتمثل في عدم حصول أكثر من ثلثي المعلمين – ما يقرب من  172,000 معلم ومعلمة – على رواتبهم بشكل منتظم منذ العام 2016 أو أنهم انقطعوا عن التدريس بحثًا عن أنشطة أخرى مدرة للدخل. واضطرت المدارس إلى إغلاق أبوابها أمام الطلاب بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا (كوفيد – 19) خلال معظم أيام الدراسة للأعوام الدراسية بين 2019-2021، ما أدى إلى تعطيل العملية التعليمية لحوالي 5,8 مليون طالب، بمن فيهم 2,5 مليون فتاة”.

وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن” أكثر من مليوني طفل خارج التعليم النظامي فضلًا عن عدد لا يحصى من الأطفال يكبرون في ظل غموض مستقبلهم التعليمي.

 

 

 

حققنا ما كنا نأمل 

استمرت المعلمة إلهام بجاش تعليم الأطفال في الفترة المسائية لتطلب الأمهات توفير رياض أطفال للفترتين الصباحية والمسائية بما يتناسب وظروف وقتهن، وقالت سعاد محمد ولية أمر أحد الطلاب ” توفر رياض الأطفال مكن ابني من القراءة والكتابة والحساب قبل دخوله الصف الأول، وتعليمهن للأطفال كالنقش في الحجر لا ينمحي آثره، أنا ممتنة جداً لإلهام وإيمان على هذه المبادرة الرائعة.

مدير المدرسة الأستاذ عبدالقوي محمد قال من جانبه”

مبادرة إلهام وإيمان شيء إيجابي وحققن نسبة نجاح عالية تصل ل 90% ، وطلابهن من الدفعة الأولى حاليا في الصف السابع الأساسي، وارتفعت نسبة اتقان القراءة والإملاء والحساب في الصفوف الأولى منذ بدء المبادرة بنسبة 95% عن العام 2016 قبل تواجدهن  لتدريس روضة ( تعليم مبكر ما قبل الأساسي)  .

ولم تكتف إيمان عند هذا الحد ففي الحفل النهائي للعام الدراسي 2019 حضر الحفل أولياء أمور من مناطق مختلفة وعندما شاهدوا الأطفال في الحفل يتميزون بفقرات ملفتة، طلبوا من الأستاذة إيمان تدريس أبناءهم وبناء على طلبهم نقلت الأستاذة إيمان لمنطقة السهيلى البعيدة وافتتحت صف دراسي في المساء هناك وكانت تدرس الأطفال طوال السنة ودربت بعض الفتيات اللاتي بادرن لتعلم كيف يدرسن الأطفال وبالفعل توقفت إيمان عن التعليم هناك واستمرت تلك الفتيات بالتعليم.

ويعد التعليم ما قبل المدرسة مهما للغاية لجهة التعليم وتشكيل شخصية الطفل بحسب اليونسيف “تزيد أرجحية أن يحقق الأطفال الذين يحصلون على التعليم قبل الابتدائي المستوى المطلوب في المهارات المبكرة للقراءة والحساب بمقدار الضعفين مقارنة بالأطفال غير الحاصلين على التعليم المبكر “.3

يشار الى أن هناك شحة في تواجد رياض الأطفال عالميا ومحليا أيضا حيث تقدر اليونسيف أن أكثر من 175 مليون طفل – أي حوالي نصف عدد الأطفال في سن التعليم قبل الابتدائي في العالم – غير ملتحقين بالتعليم ما قبل الابتدائي، ويفقدون بذلك فرصة للاستثمار عالي الأهمية في تعليمهم، فيعانون من تفاوت عميق منذ البداية. والصورة أكثر قتامة في البلدان منخفضة الدخل، إذ يلتحق واحد فقط من كل خمسة أطفال بالتعليم ما قبل الابتدائي.

في اليمن وبحسب العربي الجديد تقل عدد رياض الأطفال حيث تتوفر 211 روضة حكومية و600 خاصة، تتوزع في مختلف أنحاء الجمهورية وتستوعب 21.477 طفلاً، بحسب الإحصائيات التي حصل عليها “العربي الجديد” من وزارة التربية والتعليم.

وتوضح إلهام أنه برغم كل النجاح الذي تحقق إلا أن هناك الكثير من العوائق من ضمنها عدم توفر كتب خاصة بالروضة وعدم اهتمام التربية والتعليم وعدم ادماجهن في نظام التعليم العام، حتى يصبح عملهن أكثر نظامية وكذلك عدم وجود ألعاب مخصصة للأطفال.

 

تم إنتاج هذه المادة بدعم من مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي