الولادة في اليمن.. المرأة محرومة من القرار!
بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على حملها، أُجبرت هديل عبدالله، البالغة من العمر 34 عامًا، في محافظة تعز، على الخضوع لعملية “إجهاض” مستعجلة، وذلك بعد قرار زوجها بضرورة الإسقاط، معتقدًا أن التنظيم الأسري ووضع فارق بالعمر يبدأ من ثلاث إلى خمس سنوات بين كل عمليتي إنجاب أفضل بكثير من العشوائية.
وتفاجأت هديل بقرار الإجهاض، الذي وصفته بالصدمة، بعد أن كانت تستعد لقدوم مولودها الثاني، لكن إصرار الزوج، وإلحاحه الشديد بالتخلص من الطفل غير المرغوب به، جعلها تستسلم للأمر الواقع، والموافقة على تنزيل الجنين.
وفي حديثها، تقول: “حاولت التَّمنُع بشتى الوسائل، ورفض فكرة الإجهاض، لكن زوجي هو صاحب القرار، وأجبرني على ذلك، رغم شغفي بالأطفال وحبي لهم“.
تضيف: “المرأة اليمنية للأسف بلا قرار، والرجل يتحكم بعملية الإنجاب.. بعضهم يجبرون زوجاتهم على الإجهاض، بداعي تنظيم الأسرة، والبعض يريدون أن تتحول المرأة إلى آلة إنجاب، دون مراعاة أثر الأمر على صحة الزوجة”.
اليوم وبعد مرور عامين متتالين على إجراء عملية إسقاط الجنين، تشعر هديل بتأنيب الضمير، الذي يلاحقها باستمرار، ويتعدى ذلك أحيانا إلى مرحلة الندم، معتقدة أنها شاركت بقتل روح بشرية -ولو بالموافقة-، حيث تتساءل هذه الأم بحسرة، “من يوافق على قتل ابنه”؟.
إجهاض بدون سبب
يُعرّف أطباء الإسقاط بأنه فقدان محصول الحمل قبل الأسبوع 24، أو ولادة جنين بوزن أقل من 500 غرام، بينما يسمى ولادة مبكرة في الفترة بين (24- 35) أسبوعًا، مشيرين إلى أن الإسقاط نوعين “دوائي”، وله استطبابات طبية، مثل “كيس حمل مندون جنين ويسمى بيضة رائقة، أو تشوهات جنينية غير عيوشة مثل غياب العظام القحفية”.
فيما يسمى النوع الثاني، بالإسقاط “الجراحي” -التدخل بعملية جراحية- يأتي في حالات عدم الاستجابة الدوائية أو النزف وبهذه الحالات تبقى المريضة بالمستشفى وتعطى الدواء، وعند حدوث نزف شديد يجرى التفريغ الجراحي للرحم.
وفي كثير من الحالات، تخضع المرأة لعملية إجهاض دون سبب طبي، لربما يتعلق بقرارات الزوجين ورفضهم للإنجاب المتكرر، أو لسوء الوضع الاقتصادي والفقر، وهذا ينعكس سلبًا على صحة وسلامة الزوجة، التي قد تتعرض للنزف ويتسبب بوفاتها، ناهيك عن العقم أو انثقاب الرحم، كما يقول مختصون.
الفقه الإسلامي يحتم على المرأة، عدم إجهاض الجنين عمدًا، خاصة بعد مرحلة “التَّخلُّق”، ففي الأربعين يومًا الأولى إذا دعت المصلحة لإسقاطه لمشقة عليها، ونحو ذلك، فلا بأس، أما في الأربعين الثانية وبعدها فلا يجوز إلا لعلة يقررها الأطباء، يخشى عليها من بقائه فيها، وهذا يحتاج إلى تقرير من طبيبين أو أكثر، فيما يتعلق بالحاجة لإسقاطه وإجهاضها، لكن بعد أربعة أشهر فهو لا يجوز باعتباره قتل متعمد.
وسط الحديث عن ارتفاع عدد حالات الإجهاض باليمن، تغيب الإحصائيات الدقيقة للقطاع الصحي الخاصة بالعدد الحقيقي للأمهات اللواتي لجأن لعملية الإسقاط خلال السنوات الأخيرة.
تأجيل الإنجاب
ولأن اليمن تعيش حالة من الحرب وعدم الاستقرار، يلجأ الكثير من الرجال اليمنيين إلى تأجيل “الإنجاب” سواءً بالاتفاق والتراضي مع الزوجة قبل حدوث الحمل، أو بتناول خلطات معينة مثل القرفة والعسل خلال الأشهر الأولى، تحفز الجنين على السقوط دون تدخلات طبية، وبواسطة عملية الإجهاض عند تقدم فترة الحمل، وتطور مراحل تكوين الجنين.
وخلال السنوات العشر الأخيرة، تزايدت ظاهرة العائلات الصغيرة، التي تفضل الاكتفاء بطفل واحد، تبعًا لأسباب تتعلق بمتطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب ما يحتاجه الأطفال من رعاية واهتمام.
يوضح زكريا محمد، (متزوج منذ أربع سنوات)، ويعمل بالأجر اليومي في أحد محلات الملابس وسط مدينة تعز، أن متطلبات الحياة زادت في الوقت الحالي، خاصة مع انهيار العملة اليمنية، وتوقف الحركة السوقية، الأمر الذي دفعه إلى قرار إيقاف إنجاب الطفل الثاني، من خلال وضع “غُرزة” مؤقتة لزوجته، تمنع حدوث عملية الحمل.
وعلى الرغم من بلوغ طفله العامين، يبدو الرجل غير مستعدًا لإنجاب الطفل الثاني، مشيرًا إلى أن تربية الأطفال تحتاج الكثير من الجهد، وتكون أكثر إرهاقًا على الأم في غياب الأب، ناهيك أن الإنجاب مسؤولية صعبة بالنسبة للأزواج الذين لديهم انشغالات متعددة، وهذا ما يُصعّب فكرة الإنجاب المتكرر.
بالعادة، يكون اتخاذ قرار الإنجاب يكون سهلاً في البداية، بحسب زكريا، الذي تغيرت نظرته بعد أن أصبح أبًا لطفل واحد، حيث بات اليوم يهتم في توفير احتياجات أسرته الصغيرة، ولديه الكثير من المسؤوليات، كما يشير إلى أن الظروف المعيشية لا تساعد على الإكثار من الأطفال، مؤكدًا أن تأجيل الإنجاب بالتراضي، يأتي بهدف توفير الاستقرار الأسري، إضافةً إلى تربية الطفل بشكل جيد.
وتسببت سنوات الحرب القاسية في اليمن، بتراجع نسبة الإنجاب في اليمن، وقد بلغ معدل الخصوبة الإجمالي لعام 2021م، 3.8 مولودًا لكل امرأة، بحسب تقديرات البنك الدولي.
وتشير تقارير أممية إلى أن اليمن سجل خلال السنوات الماضية، أعلى معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة في “الشرق الأوسط”، ففي ديسمبر 2022م، أكد ممثل صندوق الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” أن إحصائيات الأمم المتحدة في اليمن سجلت وفاة 60 طفلًا من كل 1000 مولودًا حديث الولادة، لافتًا أن عدد وفيات المواليد يصل إلى 52 ألف طفل سنويًا، أي بمعدل طفل كل 10 دقائق.
وأوضح أن هذه الإحصائيات، أعلى بكثير من المتوسط العالمي الذي بلغ 17 حالة وفاة لكل 1000 ولادة في عام 2019م.
بلا قرار
تتحدث د. علياء نعمة، التي تعمل في قسم النساء والتوليد بأحد مستشفيات الحديدة، أن عشرات الحالات تأتي لزيارتها بهدف إيجاد وسيلة مناسبة لتنظيم الأسرة، وتشير “في اليمن تُفكر الأسرة بتنظيم الإنجاب بعد أن يكون لديها ستة أولاد فأكثر وهذه مشكلة“.
وتوضح علياء أن المرأة اليمنية تخضع لوسائل منع الحمل، مثل عمل “لولب أو غرزة” بعد موافقة الزوج، حيث يجري تأكيد الطبيبة على حضور الزوجين، وسماع الاستشارة والخيارات المقدمة لتنظيم الأسرة، فموافقة الزوج تعد من ناحية الأدب الطبي شيئًا أساسيا.
هكذا تبدو المرأة محرومة من قرار الإنجاب عند غالبية الأسر اليمنية، وسط معاناة بعضهن من التعب والإجهاد الناتجين عن كثرة الأولاد، ورفض الزوج فكرة تعاطي مانع الحمل، بحجة أنه حرام وهذا يعود للثقافة المجتمعية، والعادات والتقاليد.
“تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا للإعلام والتنمية”.