العنف ضد الناشطات في المجتمع المدني في اليمن مشكلة خطيرة تستحق الانتباه والتصدي لها بحزم.
تمثل الناشطات العاملات في المجتمع المدني لتعزيز حقوق الإنسان والمساواة والديمقراطية والتنمية المستدامة في اليمن ، اشراقة حياتية ذات قيمة إلا أنهن يواجهن تهديدات مستمرة وعنفًا بسبب نشاطهن .
تشهد اليمن صراعًا مسلحًا منذ العام 2015، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الأمنية والاستقرار في البلاد ، وفي ظل هذا الصراع، تتعرض الناشطات في المجتمع المدني لتهديدات متعددة، بما في ذلك تهديدات بالعنف الجسدي والاعتقال التعسفي والتشهير وخطاب الكراهية والتهديد بالقتل ، يهدف ترهيبهن وإخماد صوتهن وتقويض نضالهن من أجل المساواة والعدالة.
تعتبر العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية عوامل رئيسية في تفاقم العنف ضد الناشطات في المجتمع المدني في اليمن ، فالتمييز الجنسي والتحيز والفقر وعدم الاستقرار الأمني جميعها تلعب ادوارا سلبية لجهة تعزيز العنف وتشجيع المجتمع على تجاهل حقوق النساء.
مسيرة تصنع فارقا
العام 1996 على تخوم مديرية جعار محافظة أبين قرعت أجراس الفرح في منزل ” أحمد ثابت السعدي ” عندما رزق بطفلة اسماها ” بشرى “.
ترعرعت الطفلة في بيئة مفعمة بالحب والأمل والدعم ما اكسبها القوة والثقة في نفسها من وقت مبكر .
التحقت بشرى بمدرسة الإيمان، ثم انتقلت لإكمال دراسة الأساسية والثانوية في مدرسة فاطمة الزهراء.
أمسك القدر بيدها بعد تخرجها من الثانوية لتجد نفسها إحدى تلميذات كلية الطب في جامعة عدن.
كانت بشرى بدأت العمل التطوعي في المجتمع المدني العام 2011 ، تلى ذلك قيامها بتأسيس مبادرة “معا نرتقي” لرعاية المرأة والطفل العام 2014 ثم تحويلها إلى جمعية ثم إعلانها مؤسسة العام 2021 .
بدأت بشرى علها المؤسسي من خلال رسم الخطط للدفاع عن نساء مدينة ابين وتأهيلهن وتمكينهن والدفاع عن حقوق الأطفال في تلك المدينة.
خلال مسيرتها العملية واجهت بشرى انواعا مختلفة من العنف بينها التشهير بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتهديدات فيما ظلت الألفاظ العنيفة تلاحقها حتى وصل الأمر الهجوم على مؤسستها وتعرضها و طاقمها للضرب ما تسبب في اصابتها في أنفها بسلاح أحد “العساكر” الذين هجموا على المؤسسة.
مع استمرار بشرى في النضال والعمل الشاق، رغم ما تعرضت له سعيا منها لتحقيق العدالة والمساواة، مثل ذلك الاصرار مصدر إلهام للكثيرين والكثيرات ما ساهم في توسيع دائرة التغيير الاجتماعي في تلك المدينة وخارجها.
أسباب وراء العنف ضد الناشطات
تقول إشراق المقطري عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات حقوق الإنسان أن أسباب العنف ليست وليدة اليوم بل هي موجودة بسبب تدني ثقافة المجتمع.
وتضيف: “للأسف سيطرت هذه الثقافة السلبية على الكثير من المؤثرين وصناع القرار وممثلي الرأي العام وخصوصا خطباء المساجد ذوي الخلفية المتطرفة، وهذه أسباب سابقة لما يحدث للنساء العاملات في المجتمع المدني، لكن جاءت الحرب وخاصة في مناطق سيطرة جماعة أنصار الله الحوثية لتوقض هذه الظاهرة وتزيد من تجذرها فاخذت أشكالا مختلفة بدءا بمسألة التحريض مرورا بمحاولة تشويه السمعة و التهديد المباشر وصولا الى الشروع بالقتل”.
وبحسب المقطري فقد تسببت القرارات الجديدة التي صُدرت من سلطات الأمر الواقع “جماعة الحوثي” بمنع التنقل ومنع العمل المدني، في ضعف عمل المؤسسات المدنية واستقبال بلاغات ضد النساء والناشطات.
موضحة ان ضعف الحركة النسائية وعدم تصديها لتلك الظاهرة ساهم في تفاقمها، داعية- المقطري الحركة النسوية في اليمن إلى التكاتف والتعاون والوقوف في وجه هذه الظاهرة ومواجهتها بأشكال مختلفة من أشكال المناصرة والرفض.
ضعف آلية الرصد والتوثيق بكافة أشكاله، أدى إلى قلة الحصول على إحصائيات حقيقية للعنف ضد النساء الناشطات، في اللجنة الوطنية تقول المقطري.
وتعزو ذلك الى تجنب بعض الناشطات ومنظمات المجتمع المدني الابلاغ عنها رغبة منهن بالاستمرار في عملهن وخشية من تزايد المضايقات بشكل أكبر ما سيصعب خطواتهن أكثر .
إصرار القيادات النسوية على الاستمرار في العمل المدني ووجود الرجال المؤمنين بمشاركة النساء ساهم بحسب المقطري في التقليل من المخاطر وتضييق دائرة العنف ضد الناشطات اليمنيات الى حد ما.
تدابير للحد من العنف ضد الناشطات
من جانبها تعتبر المحامية ورئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات “هدى الصراري ” إن عدم وجود قانون يجرم العنف ضد النساء في اليمن جزء من العنف القائم على النوع الاجتماعي ذلك أن الناشطين في اليمن لا يتعرضون لما تتعرض له الناشطات لكونهن نساء.
وتقترح الصراري بعض التدابير اللازمة لمواجهة الظاهرة مثل الرصد والتوثيق للانتهاكات التي تتعرض لها الناشطات في الميدان وفي وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولات التحريض ضدهن وتهديد حياتهن وتشويه سمعتهن أو ابتزازهن إلكترونيا وتتبع منهجية هذه الانتهاكات.
وترى الصراري ضرورة وجود التفاف مجتمعي الى جانب المنظمات الخاصة بالنساء من أجل توفير الحماية القانونية لهؤلاء الناشطات ومناصرة حقوقهن ومطالبة أجهزة إنفاذ القانون بتسريع الإجراءات القانونية ضد المنتهكين.
وبينت الصراري ” هناك نصوص قانونية موجودة في قانون الجرائم والعقوبات التي تجرم التحريض والسب والقذف لكنها لا ترتقي إلى مستوى ردع هؤلاء الذين يقترفون هذه المخالفات والانتهاكات ذلك ان مسألة التحريض قد تصل إلى جرائم القتل.
وتتفق الصراري مع المقطري في عدم وجود إحصائيات دقيقة لهذه الانتهاكات لكن هناك وقائع بالإمكان الحديث عنها حيث تعرضت عدد من النساء الناشطات والسياسيات والمحاميات والفاعلات في المجتمع للعنف بأشكال مختلفة منها الوظيفي والمجتمعي والعنف بسبب عملهن في المجال الحقوقي.
نقص التمويل وأثرها على برامج حماية المرأة
حتى أكتوبر 2021، تم تلقي 54% فقط من المبلغ المطلوب، والبالغ 27 مليون دولار أمريكي، لتنفيذ برامج حماية المرأة وفقًا لخطة الاستجابة الإنسانية المخصصة لليمن للعام 2021.
تعتمد برامج حماية المرأة في اليمن على التمويل المقدم من المانحين للحفاظ على فعاليتها. ورغم ذلك، تعد من بين البرامج التي تعاني أكثر من غيرها من شحة التمويل. ففي العام 2020، فقدت حوالي 350,000 امرأة الوصول إلى خدمات مواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي بسبب إغلاق 12 مساحة آمنة للنساء والفتيات نتيجة نقص التمويل.
وتشير التقارير الصادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى زيادة نسبة النساء المعنفات في اليمن يومًا بعد آخر. حيث وصلت نسبة النساء اللاتي تعرضن للتعنيف منذ بداية الحرب إلى حوالي 63%. وتشير هذه التقارير أيضًا إلى أن هناك أكثر من 60 ألف امرأة يمنية تواجه خطر العنف الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى أشكال أخرى من العنف والتعنيف.
يعرض نقص التمويل حياة اليمنيات للخطر ويحد من إمكانية الوصول إلى الخدمات الضرورية لحمايتهن. ما يقتضي، تسهيل التمويل المتاح لبرامج حماية المرأة في اليمن وتعزيزه للتصدي لهذه المشكلة الملحة.
تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي .